في مثل هذا اليوم، ومنذ ستين سنة، كان الإعلان عن تأسيس هذا الصرح النقابي العتيد: النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
ولم يكن ميلاد هذه المنظمة الوطنية والديمقراطية والمهنية انعكاسا فقط لحاجة الصحافيات والصحافيين الرواد لأداة تنظيمية تدافع عن حقوقهم، وتترجم مطالبهم، بل كان الميلاد كذلك صرخة من جيل وطني كان يطمح لاستكمال مفردات وعناصر الاستقلال الوطني التام، الذي يعني التحرر من كل التبعات الكولونيالية، والتأسيس لعناوين السيادة الوطنية في القرار السياسي والاقتصادي والثقافي والقضائي والإعلامي.
سيظل يوم 25 يناير 1963 لحظة مفصلية في تاريخ الصحافة المغربية، وفي تاريخ البلد ككل، وهو يتلمس طريقه نحو تشييد أسس صحافة وطنية تربط الإعلام بسؤالي التحرر والديموقراطية، صحافة تنزع عنها كل ما علق بها من مخلفات الاستعمار، صحافة تساهم في تنوير الرأي العام في زمن قلت فيه مصادر المعلومة، وكانت السلطة بدورها تعمل بدأب على تسييج ومحاصرة حرية الرأي والتعبير.
وبفضل نضالات النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وصمود جيل الرواد من الصحافيات والصحافيين الذين كانوا يشتغلون في ظروف مهنية وأمنية وسياسية صعبة، ودعم القوى الوطنية والديموقراطية رغم صعوبة المرحلة وقتها، تم إلغاء صحافة ماس سنة 1970 والتي كانت واحدة من عناوين إصرار المستعمر السابق على إبقاء ذيوله لحراسة مشروعه في استدامة التبعية، ورفع الرقابة القبلية نهائيا عن الصحف سنة 1977 ، وربما لا يعرف الكثيرون من جيل الشباب اليوم من الصحافيات والصحافيين أن الإذن قبل هذا التاريخ بتوزيع كل عدد من أي صحيفة كان يتطلب ترخيصا من الرقيب بعد الاطلاع على كل مواد العدد كاملة، وتظل النسخ في المطبعة تنتظر ذلك الترخيص وسط ترقب وقلق يوميين.
ولذلك ومن باب الوفاء، نترحم على أرواح الهامات الكبرى التي ناضلت على الواجهتين الديموقراطية والإعلامية من أجل حق المغاربة في صحافة وطنية ومواطنة ومهنية، وحق الصحافيات والصحافيين في تجويد ظروف الممارسة المهنية عبر احترام حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، الأساتذة: عبد الرحمان اليوسفي، عبد الكريم غلاب، علي يعتة، عبد الجبار السحيمي، مصطفى العلوي، خالد الجامعي، محمد باهي، مصطفى القرشاوي، محمد العربي المساري، عمر بنجلون،،، وكثيرون آخرون، منهم من قضي نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلو تبديلا،،،.
لقد راكمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية تاريخا من النضالات، قدمت فيه شهداء ومعتقلي رأي ومنفيين قسريا، وكانت واحدة من أدوات النضال الديموقراطي الوطني في زمن مضى، كان يعرف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإحكام القبضة الأمنية على كل منافذ المعلومة والخبر والنشر والتوزيع.
واستفادت كذلك من الانفتاح الذي عرفته بلادنا، ومن توسيع هوامش الحريات والحقوق، فتطورت أفقا وعموديا، وانخرطت في هياكلها أجيال جديدة بدأت مسارها المهني في ظروف أكثر انفتاحا وديموقراطية، وأقل تضييقا على حرية الرأي والتعبير والنشر والتوزيع، ممتلكة لمهارات مهنية متطورة مستفيدة من التحولات الرقمية والتكنولوجية، وهذا الالتقاء بين الأجيال والتجارب والآفاق هو ما حصن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وجعلها تحافظ على صرحها باعتباره بيتا لكل الصحافيات والصحافيين.
ولم يقتصر إشعاع النقابة الوطنية للصحافة المغربية على الجغرافية الوطنية، بل هي حاضرة بقوة في كل التمثيليات المهنية الإقليمية والدولية المعتبرة، ولذلك لم يكن مستغربا أن يتم انتخاب رئيسها السابق الزميل يونس مجاهد رئيسا للفيدرالية الدولية للصحافيين.
بعد كل هذه السنين والتجارب، وقد اشتد عود النقابة الوطنية للصحافة المغربية، لم تقطع النقابة الحبل السري مع لحظة المخاض الوطني، ولذلك انتدبت نفسها للدفاع عن مصالح الوطن العليا، عبر التصدي لأي هجمات مخدومة تروم تشويه سمعة الوطن بتحريف وقائع عن سياقاتها، وبالمبالغة في تضخيم ملفات مخصوصة، وهي في ذلك تتقفى خطى الرواد المؤسسين الذين كانوا يفرقون بين التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية، ولم تكن التناقضات الرئيسية أمس واليوم إلا مع القوى الخارجية التي لم تتخلص بعد من نظرتها الاستعمارية وسياساتها الإلحاقية.
ستستمر النقابة الوطنية للصحافة المغربية في الدفاع دون كلل عن المصالح المادية والمعنوية لكل العاملات والعاملين في مهن الصحافة والإعلام، وستستمر في ترافعها ونضالاتها من أجل تجويد النصوص القانونية التي لها علاقة بالمهنة وحرية الرأي، وستتصدى بدون هوادة أو تنازلات لأي انتهاك قد يطول حقوق الصحافيات والصحافيين أو يضيق على حرية ممارستهم لعملهم في انضباط لأخلاقيات المهنة.
وبالعزم نفسه ستظل نقابة وطنية مدافعة عن مصالح الوطن وإشعاعه وسيادته.
و في هذا السياق نذكر إن قضايا كثيرة لا تزال مطروحة ضمن جدول أعمال النضال النقابي لنقابتنا و للقوى السياسية و الحقوقية الوطنية .فإذا كان من الصعب أن ننكر أهمية المكاسب التي راكمها المشهد الإعلامي الوطني طيلة الستين سنة الماضية من عمر مسار طويل و شاق و مكلف ، فإن حتمية التطور تفرض مزيدا من تكثيف الجهود بما يكفي من شجاعة و جرأة لمواجهة التحديات التي أفرزتها التطورات ، إن على المستوى السياسي و الحقوقي لتوفير مزيد من الحصانة لحرية الصحافة و التعبير و النشر ، و تحقيق انفراج كامل، أو على مستوى ما تترتب عن التطورات التكنولوجية الهائلة التي عرفها قطاع الإعلام والتي أفرزت إشكاليات جديدة فيما يخص أخلاقيات المهنة و ضمان كرامة الصحافي و الصحافية المغربية في ممارسة المهنة في ظل ظروف الثقة و الاطمئنان والكرامة .
و هذه مناسبة نؤكد من خلالها الالتزام الكامل و المطلق بمواصلة العمل، أولا حفاظا على الموروث النضالي للنقابة الذي خلفه الرواد، و الذي نعتبره مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتقنا، و ثانيا للدفاع على حماية حرية الصحافة و التعبير و النشر و على المصالح والحقوق المادية و المهنية لجميع الصحافيين والصحافيات المغاربة.
وكل عام، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية صامدة، وطنية، مواطنة، ديموقراطية
