“تمفصل السياسي مع الصحافي من خلال «منعرجات» نور اليقين”، هو العنوان الذي وسم به عزيز اجهبلي الصحافي بجريدة “العلم”، المداخلة التي قدمها مؤخرا في لقاء نظمته النقابة الوطنية للصحافة المغربية، لقراءة كتاب نور اليقين بنسليمان الصحافي السابق في جريدة “بيان اليوم” المعنون ب ” منعرجات من ذاكرة صحافي في الطفولة و الصحافة و السياسة”.
وبدأ اجهبلي، وهو أيضا عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، مقاربته في هذه الندوة، التي أدار أشغالها محمد الطالبي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وحضره قياديون في النقابة، وزملاء من مواقع ومؤسسات إعلامية مختلفة، بالحديث عن الخصائص التي يشترك فيها الكتاب مع أجناس أخرى كالسيرة الذاتية والرواية، كما ناقش الاختيار الذي اعتبره ذكيا بخصوص الصور والشخصيات التي تظهر على غلاف الكتاب بالإضافة إلى الأشكال الهندسية التي يرمز إليها الغلاف، بما في ذلك الستة أهرام منها المقلوبة والسوية.
وأجتهد عضو المكتب التنفيذي في إعطاء تفسيرات لهذه الرموز وعلاقتها بتمثلات هذه الأشكال في الثقافة الأمازيغية.
التداخل بين الصحافة والسياسة

وقال اجهبلي إن الكاتب أثار انتباه القارئ إلى فترة هامة في حياة المؤلف، وهي البدايات أو المراحل الأولى لاهتمامه بالصحافة وأخبار السياسة، بحيث نقرأ في الصفحة 4: ” في صيف 1979 يوم 10 يوليوز حين كان الكاتب يلعب كرة القدم بملعب ووسط القرية، توقف المامون، وهو ابن خالة المؤلف، وكان مدرسا، فتح نوافذ سيارته من نوع سيمكا بيضاء، رفع من صوت الراديو وقال: “سمعو، الملك دارو عليه انقلاب”. وهنا اللعب توقف.
خلال المراحل ذاتها، تطرق الكاتب، على لسان السادر، إلى ما قبل الالتزام السياسي، حيث نجد في الصفحة (51): من شدة شغف السارد على قراءة الصحف والمجلات وحرصه على اقتناء جريدة “البيان”، بدأت إحدى نساء عائلته تنتبه إلى علاقته بهذه الجريدة وبالحزب الذي تصدر عنه. نلاحظ أيضا كيف تكلم الكتاب عن صفة المناضل: “أن يكون الإنسان مناضلا فذلك ليس غريبا – المناضل مع رفاق “البيان”.
العلاقة بين الصحافة والسياسة تتضح أكثر في الصفحة (53) «قبيل الانخراط في حزب علي يعته، كان الكاتب قد أطلع على بعض المنشورات والأدبيات التي تعرف بتوجهات ومواقف يسارية، لقد استفاد كذلك من انتماءات بعض أفراد عائلته، ومن النقاش الذي كان يدور في المنزل.
علاقة الجامعة بالحياة السياسية
في إطار دائما علاقة الصحافة بالسياسة، تظهر في سياق تطور السرد في كتاب “منعرجات” معطيات أخرى جديدة، كالعلاقة بين المشهد السياسي المغربي والجامعة باعتبارها مشتلا لتخريج الفاعلين الثقافيين والسياسيين.
في الصفحة (53)، نقرأ أنه في بداية سبعينيات القرن الماضي كانت أختا الكاتب (نورة ونزهة) قد التحقتا بالرباط لمتابعة دراستهما في كلية الآداب والمدرسة العليا للأساتذة.
كان من بين الأساتذة في الجامعة مناضلون اتحاديون وشيوعيون أمثال العروي وبوطالب وفتح الله ولعلو وإسماعيل العلوي والغرباوي. وداخل الجامعة لابد وأن يتعرف الطالب على مناضلين آخرين، وهم مفكرين أيضا كالجابري وعزيز بلال والحبابي وألبير عياش وبول باسكون.
في هذه السنوات أي في بداية سبعينيات القرن الماضي كان الصراع بين الطلبة في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب على أشده، بين مناضلي الجبهة الماركسية البينينية إلى الأمام و 23 مارس و(لنخدم الشعب) وبين الاتحاديين والشيوعيين. لقد كانت هيمنة واضحة لتيار الجبهة بقيادة عزيز المنبهي وكانت صدمات واعتقالات ومظاهرات ثم سنة بيضاء.

البحث عن حزب يعته للانخراط فيه
توجه السارد أو الكاتب، مباشرة للبحث عن زنقة «كابورال بو» عمارة رقم 9، التي تتكون من طابقين، ودخل إلى مقر المجلة وعبر للشخص الموجود بهذا المقر عن رغبته في الانخراط في حزب علي يعته، الذي كان يحمل آنذاك اسم التحرر والاشتراكية – لأن اسم التقدم والاشتراكية لم يتم اعتماده إلا في المؤتمر – للحزب.
اسم الرجل الذي التقى الكاتب هو محمد أوبلا وهو مراكشي وكان يلقب بالفقيه.
لم يسجن الكاتب دينامية السرد في الحديث عن المؤسسات، وعن الأحزاب أو الجرائد، بل حاول أن يرى إلى تطور المحيط أو المجال، وذلك باستعمال تقنية “التبئير”. نلاحظ ذلك حين تحدث عن أثر وتجليات امتداد المد التقدمي وملامح من تطور الأسر البيضاوية.
ومن الأمثلة أيضا على الدربة في استعمال تقنيات سردية أساسية، كالاسترجاع مثلا، وهي تقنية ترتبط بالزمن السردي، نلاحظ ذلك حين تحدث عن إحراق المدرسة التي كانت تدرس فيها «مدام سكيديرو» للاعتقاد أنها تناصر الصهيونية وأن لها نزعة عرقية.
التحولات في المجتمع البيضاوي
سنة 1974 بدأت الأحياء في الدار البيضاء تتحول خاصة على مستوى التركيبة السكانية، ظهرت فئة من المتقاعدين وبالمقابل التحقت فئة واسعة من الشباب بالحياة العملية، قلة قليلة منهم اكتسبت حرفة كالنجارة والخياطة والحدادة والمصنوعات التقليدية أو المفروشات المنزلية.
في هذا المحور يطالعنا المؤلف بتحولات على مستوى ظهور لاعبين كرة القدم الدوليين. في الصفحة (60) نلاحظ كيف تم الحديث عن اللاعب الدولي العربي بن مبارك الذي ظل حريصا على زيارة أسرته بالحي وكان يقطن بحي بنجدية.
الكتابة عن الحي الذي خرج منه رياضيون لعبوا لفائدة الوداد البيضاوي أو نجم الشباب أو الرجاء أمثال باكيلي ومعروف وبابا.
الوضعية المادية الجديدة للكثير من الأسر سمحت لبعض أبنائها العاملين باقتناء وسائل نقل خاصة، إما دراجات نارية من نوع “موبيلت”، “صوليكس”، “هوندا”، “ياماها .”
اقتناء سيارة صغيرة من نوع “سيمكا” (1100) أو”R4″ أو “فياط 127”.
كيف خرج “منعرجات” إلى الوجود
نور اليقين بنسليمان صاحب هذا الكتاب أدلى بملومات في غاية الأهمية موضحا كيف خرج “منعرجات” إلى الوجود، بحيث في غضون سنة 2010 بدأت تخترقه رغبة الكتابة عن طفولته، وعن تجربت في السياسة والصحافة. فيما بعد، أصبح فكره و مخيلتي يتيهان من حين لآخر، في غفلة مني، و أشرع في استحضار صور وأحداث عايشتھا عبر مسيرة حياتي و منذ طفولتي ( شرح ). مع مرور الوقت أصبح يشعر بما يشبه حالة المخاض،حيث بدأ يدتنتابه رغبة شديدة في تفريغ ما بداخله من صور أحداث ووقائع…
شرع نور اليقين، في بادئ الأمر في تدوين كل حدث من الماضي حينما تداھمه صوره في لحظة تيه.ذ ات ظهيرة تذكر ،هكذا ،حادثا وقع في بداية السبعينيات من القرن الماضي، فشرع في تدوين ما عايشه و هو ما يزال طفلا وقتذاك. كانت هذه أول حلقة من حلقات الكتاب، و يتعلق موضوعها بحادث انقلاب الصخيرات.
بعد ذلك كتب ثلاث حلقات حول أحداث عايشها في عقد السبعينيات، وكانت ظروف وقائعھا متباعدة. احتفظ بھذه الحلقات جانبا، و في بداية سنة 2013 ،استأنف الكتابة وبدأ بسرد ما تختزله ذاكرته منذ الطفولة.
الحديث عما احتفظت به ذاكرته عن طفولته لم يكن معزولا عن أحداث محلية ووطنية، وعن ظروف اجتماعية وسياسية، وعن بعض الطقوس والتقاليد والمظاھر سواء بالبادية أو المدينة. و لا ينبغي أن ننسى بأن بقايا التواجد الأجنبي ، و أساسا الفرنسي، ظلت معاشة بشكل متفاوت خلال عقدي الستينيات و السبعينيات.
جزء مھم من الكتاب، تمحور حول مرحلة شباب الكاتب وانشغاله في سن مبكر بالسياسة، بحكم الوسيط العائلي الت ترعرع فيه. لقد سعى قدر المستطاع أن يعكس في ھذه المرحلة من مسار حياته جوانب متعددة عن أوضاع المغرب والمغاربة في تلك الحقبة. وبسبب تقدير خاص، لم يستطع التوسع في واقع مھنة الصحافة لما تناول محطات من تجربته المھنية. لقد تفادى أيضا إثارة حياته الخاصة مع أسرته وأبنائه حتى لا يتيه في الكتابة وإھمال المھم في ھذه السيرة المذكرات.
أكيد أن الذين يعرفون الكثير عن مساره سيلاحظون ولا ريب أنه أھمل أو أغفل بعض الأحداث أو المراحل، أو لم يولي لھا اھتماما أو تجنب التفاصيل فيھا.
ھي ملاحظة صحيحة، والسبب ھو كالتالي: حينما شرع في الكتابة تبين له أن المؤلف سيأخذ حجما كبيرا قد يرھق القارئ، لھذا قررت العودة في مؤلف لاحق لمراحل وأحداث كثيرة ومثيرة، من تجربته المھنية، وأشياء أخرى من المحيط السياسي والنقابي وتطورات المشھد الإعلامي …
رحلة ما بعد إصدار الكتاب
لا يخفى على أحد المشاكل التي تعترض الكثير من الكتاب، و تتعلق أساسا بمشاكل الطبع والتوزيع. بدعم من زملائه في النقابة و بعض المقربين تمكن بصعوبة من تجاوز جزء كبير من هذه المشاكل التي تسببت في تأخير إصدار الكتاب.و ساهمت انشغالات خاصة وجائحة كرونا في تعطيل عملية ترويجه و الدعاية له.
الكتاب غير موجه ضد أي أحد و لا ضد أي جهة
إنه عمل متواضع و مجهود شخصي، وعملية تحرر من مخاض رافقه لسنوات. لقد استخرج ما اختزنته ذاكرته خلال فترة الطفولة، ومرحلة الشباب و مرحلة الانتماء ومرحلة الممارسة المهنية. ومختلف هذه المراحل تزامنت، سواء في البادية أو المدينة، مع مؤثرات وأحداث مظاهر وتقاليد و عقليات.
و تزامنت كذلك مع قضايا مهمة، كمسألة بداية المطالبة باسترجاع الصحراء و انطلاق ما يعرف بالمسلسل الديمقراطي و تنظيم أول انتخابات جماعية و برلمانية بعد عودة الحياة السياسية و الخروج العملي من حالات الاستثناء.كل هذه الأحداث كان لا بد من تناولها،كما هو الأمر لقضايا التحالفات و صراعات الفصائل اليسارية داخل الجامعات و موجة الاعتقالات و بوادر بروز التنظيمات الإسلامية و عملية اغتيال القائد الاتحادي الشهيد عمر بنجلون…و تناولت كذلك الأشياء الجميلة التي كانت سائدة في شتى المجالات…