على غرار كل سنة، تقوم النقابة الوطنية للصحافة المغربية بإصدار تقرير سنوي حول الحقوق والحريات بالمغرب، ويغطي هذا التقرير الأخير الفترة الممتدة من مارس 2021 إلى مارس 2022.
إن هذا التقرير يروم الرصد الموضوع لكل ما يمس الحقوق النقابية والاقتصادية والاجتماعية للعاملات والعاملين في مهن الصحافة والإعلام، كما يبتغي تتبع كل ما يمس بالحريات الصحافية، وما يرتبط بالجوانب المصاحبة للمهنية، من مثل احترام أخلاقيات المهنة.
وباعتبار أن هذه القضايا مترابطة ومتداخلة، فإن هذا التقرير وكمثله من التقارير الوطنية والدولية في مجال الحقوق والحريات يفرد بعض التقارير الموضوعاتية لقضايا معينة كانت الأكثر بروزا خلال النقاش العمومي المرتبط بالمهنة.
لقد تم تقسيم التقرير السنوي الأخير إلى أربعة أقسام كبرى، مع تقديم يرصد منهجية التقرير ومرجعياته والدافع لإصداره.
وهذه الأقسام الكبرى هي:
- الحريات الصحافية.
- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
- تقارير موضوعاتية.
- ملحق.
1-الحريات الصحافية:
ففي جانب الحريات الصحفية تم رصد ما يرتبط بالاعتداءات على الصحافيات والصحافيين أثناء أو بسبب مزاولتهم لعملهم، والتي استمرت خلال هذه السنة،وهي اعتداءات من مصادر مختلفة، فأحيانا تكون هذه الاعتداءات من طرف أشخاص نافذين لا يتقبلون اقتراب الصحافة مما يمكن أن يكشف خروقات يقترفونها، وخصوصا فيما يتعلق بالملك العمومي، كما أن اعتداءات أخرى تم رصدها كانت من طرف القوات العمومية المكلفة بإنفاذ القانون، وخصوصا أثناء تغطية الصحافيات والصحافيين لتظاهرات ووقفات وتجمعات ذات طابع احتجاجي، من مثل احتجاجات الأساتذة المتعاقدين، أو احتجاجات الرافضين لإلزامية حمل جواز التلقيح لولوج الفضاءات العمومية، وهي اعتداءات يكون ضحايا المصورون المهنيون بالدرجة الأولى، غير أنه يصعب اعتبارها ذات طابع ممنهج، إذ إنها في غالبيتها نتيجة اجتهادات شخصية أو لسوء فهم لطبيعة العمل الصحافي من طرف المكلفين بإنفاذ القانون في لحظات التدخل.

وفي الشق المتعلق بالمحاكمات، تم رصد تراجع نسبة القضايا المرفوعة ضد الصحافيات والصحافيين بسبب مزاولاهم لعملهم، والتي تحركها النيابة العامة تلقائيا، مقارنة بالدعاوى المرفوعة من طرف أشخاص ذاتيين يعتبرون أنفيهم متضررين مما نشر بخصوصهم، وقد حظيت محاكمة الزميلين عمر الراضي وسليمان الريسوني بمتابعة كبيرة وطنيا ودوليا، وقامت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بمراقبة سير المحاكمتين، وكانت أمام امتحان الموضوعية، فمن جهة كانت النقابة فإن المتابعين صحافيان مهنيان، ومن جهة أخرى فبعض أطراف الدعوى العمومية بدورها تنتمي للمهنة، وثالثا فإن القضايا التي يتابع فيها الزميلان ذات خصوصيات يتماس فيها السياسي مع الحقوقي مع الجنائي، وعلى العموم فقد تخللت هاتين المحاكمتين بعض الوقائع التي أثرت عليها، من قبيل رفض متابعة الزميلين في حالة سراح رغم نوفرهما على ضمانات الحضور، وطول أمد المحاكمة خصوصا في الطور الابتدائي بما فيها مرحلة التحقيق التفصيلي، وحملات التشهير والقذف المتبادلة في حق كل أطراف الدعوة، وإضراب الزميل الريسوني لمدة طويلة، وعدم حضوره لجلسات المرحلة الابتدائية.
وخلال هذه السنة تمت تبرئة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ابتدائيا واستئنافيا في القضية المرفوعة ضده من طرف المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، والذي لم يستسغ هذا الحكم، فاستغل وكالة أنباء يفترض أنها رسمية، للتهجم على الحكم القضائي، كما كرر الأمر نفسه بسبب التقرير السنوي الذي أصدرته النقابة الوطنية للصحافة المغربية خلال السنة الماضية، ليتهجم عليه بطريقة تفتقد للحد الأدنى من المهنية والاستقلالية والامتثال لأخلاقيات المهنة، وخصوصا في مؤسسة رسمية.
وعرفت هذه السنة كذلك متابعة الزميل بو الطعام بسبب عدم ملاءمته لموقعه الإلكتروني، ورغم أن المتابعة كانت في حالة اعتقال، فقد انتهت نهاية سعيدة، وبعد مدة قصيرة بتبرئة الزميل.
كما تم في التقرير رصد بعض المتابعات في إطار القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، رغم أن صك الاتهام كان مرتبطا بالنشر، مما يجعل النضال من أجل وقف ترحيل القضايا المرتبطة بالنشر والصحافة نحو وجهة القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، الذي رغم بعض الملاحظات حوله إلا أنه على الأقل يضمن انعدام تقييد الحرية بعقوبات حبسية.
وعرفت هذه السنة استمرار التهديد لبعض الصحافيات والصحافيين عن طريق مكالمات مجهولة، كما عرفت بعض التهجمات غير المقبولة من مثل اقتحام مقرات العمل، لتصفية حسابات نقابية للأسف كما وقع في قناة العيون الجهوية.
وخلال هذه السنة تم اعتقال زميلة في مدينة سبتة المحتلة من طرف الحرس المدني الإسباني، بسبب تغطيتها لحادث اقتحام معبر سبتة، وما رافقه من اعتداءات على مهاجرين غير نظاميين، بينهم قاصرون، من طرف قوات عمومية إسبانية مختلفة.
وتم خلال هذه السنة منع ندوة كانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية تعتزم تنظيمها بفندق بالبيضاء، مما اضطر النقابة لتنظيمها لاحقا بمقر النقابة.
كما تفاجأ الصحافيون خلال الولاية البرلمانية الحالية بتقييد حضورهم ومنع تغطيتهم لأشغال اللجن في مجلس النواب، بتأويل متعسف للقانون.
2-الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:
تم رصد خروقات كثيرة، لدرجة يمكن الحديث عن تراجع نسبي في انتهاك الحقوق المدنية في المجال الصحافي، مقارنة بتصاعدها في الشق المرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
فلقد تم إغلاق جريدة “أخبار اليوم” من طرف مالكيها، بشكل فجائي، ودون منح العاملات والعاملين، والصحافيات والصحافيين الحقوق التي يكفلها لهم القانون، مع العلم أن الأجور كان يتم تأخير منحها أو التوقف عن صرفها قبل قرار الإغلاق، وزاد عدم شمول صحافيي وصحافيات المؤسسة بقرار صرف تعويضات استثنائية لأداء رواتب العاملين في مهن الإعلام من طرف وزارة الثقافة والرياضة والاتصال، في محنة الزملاء والزميلات بمؤسسة “أخبار اليوم”
وفي المقابل عاشت مؤسسات أخرى واقعا من التضييقات والاستفزازات بغرض التسريح دون أداء الحقوق، ويمكن التمثيل لذلك بما حدث في يومية” المساء” وموقع ” فبراير.كوم”
وقد خصص التقرير فقرات لبعض الفئات، كما سبق أن خصص فقرات لفئات أخرى في تقرير السنة الماضية، وهكذا تم التمثيل هذه السنة بثلاث فئات، وهي: الصحافيون الأحرار/ الفريلانس، والعاملون بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، والعاملون بالإذاعات الخاصة، راصدا مجموعة من المشاكل المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها.
أما في الشق الاجتماعي، فقد استمر المشاكل المرتبطة بأداء مستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحيث تم رصد امتناع بعض المقاولات عن أداء المستحقات المفروضة عليها قانونيا، أو عدم تصريح أخرى بأجرائها، كما تم التطرق لمشكل الصحافيات والصحافيين الأحرار/ الفريلانس الذين لا يتوفرون على أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، غير أنه يجدر التنويه بمشروع القانون الذي أدمجهم في فئة المهن الحرة، والذي نتمنى المصادقة عليه قريبا.
وعرفت هذه السنة أجراء انتخابات مناديب العمال، والتي تراوحت بين الأجواء السليمة في مجموعة من المقاولات والمؤسسات الصحافية العامة والخاصة، وبين الأجواء المتوترة في أخرى، مع تسجيل استمرار وكالة المغرب العربي للأنباء في رفض إجراء هذه الانتخابات في تحد صريح للقانون، مما يجعلها المؤسسة العمومية الوحيدة التي لا تتوفر على تمثيلية للأجراء.
كما أفرد التقرير مساحة للحديث عن الاتفاقية الجماعية في قطاع الصحافة الحرة، والأنظمة الأساسية للعاملات والعاملين في المؤسسات الصحافية العمومية، مبينا دواعي ضرورة تحيينها بما يحفظ حقوق الصحافيات والصحافيين، خصوصا الاتفاقية الجماعية التي لا تحترم بنودها في غالب المقاولات، كما لم يتم تحيينها منذ 17 سنة رغم أن القانون يقول بتحيينها كل 5 سنوات.
3-تقاريرموضوعاتية:
في كل تقرير سنوي تنتقي النقابة الوطنية للصحافة المغربية بعض القضايا ترى أنها استأثرت باهتمام الرأي العام، بغرض جعلها عينة تمثيلية لرصد ما يتعلق بالحريات الصحافية، وباحترام معايير المهنية وأخلاقياتها.
ولقد تم التركيز خلال هذه السنة على التغطيات المرتبطة بحادث تحرير معبر الكركرات، باعتبارها حدثا اكتسى صبغة دولية لأبعاده الكبرى، وباعتباره محطة هامة في النجاحات الدبلوماسية والسياسية التي حققها المغرب في ملف وحدته الوطنية.
وباعتبار أن هذه السنة التي يشملها التقرير عرفت في محطاتها الأولى توترات دبلوماسية مع بعض الدول، قبل أن تنقشع تلك السحابة، فقد اهتم التقرير بالانتقائية التي طبعت تغطيات جزء من الإعلام الدولي لقضايا داخلية أو خارجية من خلال عينات تمثيلية.
كما أفرد التقرير جزء لملف ” بيغاسوس” باعتباره قضية كانت فيها بلادنا في فوهة مدفع منظمات دولية غير حكومية ومؤسسات إعلام كبرى، ورصد التقرير النواقص التي تصل حد التحامل في الشق المتعلق بالمغرب في تلك التغطيات.
وفي جانب أخلاقيات المهنة، اعتمد التقرير على حادثتي اقتحام معبر سبتة في ماي 2021، والوفاة المأساوية للطفل ريان في 2022 لبيان مجموعة من الانزياحات عن ميثاق أخلاقيات المهنة، مما يتطلب تكوينا مستمرا للصحافيات والصحافيات المكلفين بالتغطيات الصحافية، وكذلك الصرامة في التعامل مع كل انتهاك لميثاق أخلاقيات المهنة.
وفي متابعة عمل المجلس الوطني للصحافة، قدم التقرير جردا للعقوبات التي أصدرها المجلس، وملخصا للتقرير الذي أصدره حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أثناء جائحة كورونا.
وتضمن التقرير ملخصا تركيبيا لدراسة قامت بها النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالاستعانة بخبراء قانونيين واقتصاديين ومهنيين حول سيرورة تطبيق بنود الاتفاقية الجماعية.
وانتهى شق التقارير الموضوعاتية بالحديث عن قانون الحق في المعلومة والثغرات التي يتضمنها.
4-ملحق
تضمن التقرير ملحقا استثنائيا، تم الاشتغال عليه بعد الانتهاء من التقرير السنوي، ذلك أنه صدر تقرير سنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود يغطي الفترة نفسها التي يغطيها تقرير النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وبعد الاطلاع على الجزء المتعلق بالمغرب في تقرير ” مراسلون بلا حدود” لاحظنا ما اعتبرناه سقوطا في التحيز وابتعادا عن الموضوعية، مما جعلنا نضيف لتقريرنا السنوي ملحقا يتضمن الرد على المعطيات الواردة في تقرير هذه المنظمة.