اختار موسم أصيلة الثقافي في دورته الـ42 بالإعلامي محمد البريني، مؤسس جريدة «الأحداث المغربية» المستقلة، وبوصفه شخصية بصمت المشهد الفكري والسياسي والثقافي ببصمة بارزة، مناسبة لاستحضار مناقب الرجل وإبراز إسهاماته المهمة في الصحافة المغربية.
وبحضور أسماء وازنة في المشهد الإعلامي بالبلاد، استقبل الصحافي محمد البريني مؤخرا، الشهادات التي توالت طيلة يوم التكريم في ثلاث جلسات، شهدت، أيضا، تعبيرا عن استعداد أطراف متعددة من الجسم الصحافي لرأب الصدع بينها.
وإضافة إلى الإعلان عن إصدار كتاب جماعي يضم شهادات حول مسار المحتفى به، قال محمد بن عيسى، رئيس مؤسسة منتدى أصيلة، إن تخليد ذكرى هذا اليوم الذي وصفه بـ”أكبر حدث وقع في موسم أصيلة الثقافي الدولي منذ نشأته” سيكون بتسمية القاعة التي احتضنته في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية باسم محمد البريني، وهو المركز الذي دشنه الملك محمد السادس عندما كان وليا للعهد.
وأمام توالي المداخلات التي عددت مناقب البريني، وأحاطت بإسهامه في تأسيس الصحافة الخاصة بالمغرب، رئيس مؤسسة منتدى أصيلة، الذي سبق أن شغل منصبي وزير الثقافة ووزير الخارجية والتعاون
وبعد تسميته جميع من تدخلوا في تكريمه، توجه الاعلامي محمد البريني إليهم بالحديث قائلا: “لكم علي الكثير من الأفضال، وتعلمت منكم الكثير، ولم يكن ما حدث ليحدث لو لم ألتق بكم، في مسيرة طويلة، ومن مواقع مهنية مختلفة قضيت فيها مع كل واحد منكم زمنا مهنيا مفعما بالمودة والتعاضد والصدق في خدمة القضايا الكبرى لوطننا”.
ووصف محمد بن عيسى رئيس مؤسسة منتدى أصيلة، الذي سبق أن شغل منصبي وزير الثقافة ووزير الخارجية والتعاون هذه الخيمة التكريمية للبريني بكونها تستحضر “جهاد إنسان مغربي آمن برسالة، إنسان نزيه بكافة معاني الكلمة”، مضيفا:” اخترنا (تكريم) أحد الفاعلين المجدين في مجال الصحافة والإعلام. عرف بمواقفه المستقلة، وصرامته المهنية، والشجاعة في الرأي، كما يتجلى ذلك في مساره المهني محررا، فرئيس تحرير ثم مديرا للنشر، في ثلاثة منابر صحافية وطنية، حققت انتشارا تجاريا، وكسبت حظوة لدى القارئ المغربي”.
ومن جانبه، قال الزميل يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، بصفته الإعلامية: “احتضنت من الجريدة والحزب (الاتحاد الاشتراكي)، وعلى رأس من احتضنوني محمد البريني مدير الجريدة ومحمد الأشعري مدير مكتب الرباط ومصطفى العراقي رئيس قسم القضايا الوطنية، دعموني بشكل كبير في مساري ولا يمكن أن أنسى دعمهم وسندهم وأخوتهم.”
وتحدث مجاهد عن دفع البريني الجريدة لـ”تجاوز الإكراهات الحزبية، ولو أنه من الحزب”، وقدم مثالا بـ”الملف الصعب لمجزرة 1977″ التي كانت “محاكمة صورية بكل المعاني” لمعتقلي “إلى الأمام”، وهو ما خلق نشره “مشكلا مع الحزب”، إضافة إلى عدد من التحقيقات والقضايا التي “عولجت بجرأة”.
وذكر الزميل يونس مجاهد أن البريني قد سعى مع من عملوا معه إلى الدفع نحو “الحقيقة والموضوعية والتواصل مع قضايا المجتمع”، بـ”صحافة حداثية ديمقراطية”، حتى صارت “الجريدة أكبر من الحزب”، قبل أن توقف “الآلة الحزبية الرهيبة” هذا، لتجعل “الرأي والاستقلالية غير ممكنين”، فانتصرت واضطر الصحافي إلى الانسحاب لما “لم يعد التوفيق ممكنا”.
وذكر الزميل رئيس المجلس الوطني للصحافة، في حديثه عن كتابة تاريخ الصحافة المغربية:” أن الإسهام في هذا الأمر من مسؤولية المجلس، ولكن بـ”لجنة علمية بخبراء ومؤرخين”، نظرا للحاجة إلى “النزاهة والموضوعية” في المنتج المؤرخ للتجربة الإعلامية بالبلاد”.
واعتبر الزميل يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، أن “المغرب في حاجة إلى صحافة قوية مع التحول الرقمي الطاغي والضاغط يوما بعد يوم، وهذا يحتاج إلى إعادة النظر في النموذج الصحافي كله”.
بدوره، تحدث الزميل عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومدير نشر جريدة “العلم”، عن إشراف البريني على “انتقال أجيال” في الوسط الإعلامي عندما أسس “الأحداث المغربية”، وتطرق إلى ما أثارته من “طابوهات الجنس والدين وغيرها” التي “فتحت النقاش المجتمعي، وأعطتنا في جريدة العلم الحزبية نفسا للكتابة”.
وحول القضايا الكبرى التي كان يواجهها الإعلام بعد الاستقلال من رقابة قبلية، واستمرار للصحافة الاستعمارية… قال الزميل عبد الله البقالي: “إن هذه مهمة لم يكن ليقدر الصحافيون المنعزلون عن الأحزاب على القيام بها، فقد كانت تحتاج رجالا ونساءا لهم سند، فهم يواجهون مخاطر سياسية وليست مهنية”.
وكان التكريم محطة لتعداد خصال الرجل المهنية، وتتبع مساره المهني والإنساني والسياسي، حيث راكم تجارب صحافية مهمة عندما اشتغل صحافيا ثم رئيسا لتحرير جريدة “الاتحاد الاشتراكي” من عام 1983 إلى غاية 1995، قبل أن يشرف على إطلاق صحيفة “الأحداث المغربية” منذ عام 1998 حتى غاية 2014.
