تقديم : الصحافي منصف يوسف
بداية يجب تبرير هذا العنوان الذي اخترت لهذه المداخلة، ألا وهو الوضعية الاجتماعية والقانونية للصحافي “فىيلانس”.حيث جرت العادة أن الوضعية القانونية لبعض المهن الأخرى مثل الأنظمة الأساسية والظهائر الشريفة وكذا المراسيم هي من تتكفل بتعريف هذه المهن وشروط ممارستها إلى جانب الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها الممارسات لتلك المهن، من قبيل النظام الأساسي لسلك رجال السلطة أو النظام الأساسي المتعلق لمهنة التدريس أو مرسوم التعيين في المناصب العليا..على سبيل المثال لا الحصر.
بالمقابل، تعتبر وضعية الصحافيين والصحافيات العاملين بصيغة “فريلانس” غير منظمة قانونيا. مما انعكس على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئة من مهنيي حقل الإعلام بشتى تخصصاته التحريرية أو التقنية، التي توصف بالكارثية والضبابية التامة بالنظر لغياب أي إطار قانوني متين ينظم طريقة اشتغالهم ويحفظ حقوقهم المادية الاعتبارية.
لهذا، آثرت اختيار العنوان الذي يعطي الأولوية للوضعية الاجتماعية في حين تأتي الوضعية القانونية ثانيا في التقديم والعرض.
إذن، يمكن التساؤل بكل مشروعية عن طبيعة الوضعية الاجتماعيةالصعبة التي يعمل تحت شروطها الصحافيون والصحافيات بصيغة “فريلانس”. وكذا التفكير بصوت مرتفع وجماعي حول مختلف المداخل القانونية الكفيلة بتنظيم هذه الصيغة من العمل، وضمان عدالة أجرية لجهودهم أسوة بزملائهم الذين يشتغلون بصيغة التعاقد مع المؤسسات الإعلامية أو هؤلاء المرسمين في أسلاك الوظيفة العمومية.
أولا : الوضعية الاجتماعية
يمكن اختزال الوضعية الاجتماعية للصحافيين والصحافيات “فريلانس” بالهشاشة، الشيء الذي يعني أن قطاع واسع من الصحافيين المهنييين يعانون في صمت، يوقعون جنبا إلى جنب مع فئات اجتماعية أخرى توصف بالهشاشة الاجتماعية مثل : الأمهات العازبات، والأطفال الشوارع أو المعاقين الذي يعانون من إعاقة ذهنية أو حركية..
إن هذه الوضعية الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الصحفي “فريلانس” يجب أن تستدعي اهتمام المسؤولين للوقوف على أسبابها، ورفع حالة الحيف والظلم الذي يقع عليهم وعليهن.
إن حالة الهشاشة هاته، يمكن إيعازها إلى عامل مهم وهو الاستغلال والاستغلال المفرط لطاقة ومجهود الصحفي “فريلانس”. دونما تقدير عادل لمجهوده ووضع أجر مناسب لهذا الجهد الفكري أو التقني، وذلك مرده إلى غياب تام لأية تشريعات منظمة لتلك العلاقة، باستثناء الإشارات المختزلة والمقتضبة الواردة في القانون الأساسي الصحفيين المهنيين والمرسوم المتعلق بمنح البطاقة المهنية.
أمام هذه الوضعية الاجتماعية والمادية المأزومة للصحافيين المشتغلين بهذه الصيغة، يمكن تقديم مجموعة من القوانين التي تعنى بتنظيم العلاقة المركبة بين الصحافي فريلانس وطالبي الخدمات سواء كانت مؤسسات إعلامية أو مؤسسات الدولة، في إطار الإعلام المؤسساتي الذي يحترفه العديد من الصحافيين والصحافيات بصيغة الفريلانس.
ثانيا : الوضعية القانونية
إن الوضعية القانونية الاشتغال الصحافي الفريلانس توصف بالضبابية وغياب تام لشروط تنظيم علاقات العمل بمقتضى هذه الصيغة، مما يجعل الصحافي والصحافية الفريلانس يقعون فريسة الاستغلال وضياع مستحقاتهم، على هزالتها وعدم عدالتها الأجرية. وفي سياق مقارن نشير إلى أن نسبة كبيرة من الإعلاميين الأمريكيين يمارسون عملهم بصيغة الفريلانس، لكنهم بالمقابل يتلقون أجروا محترمة، تصل حد احتساب حتى مساحات الفراغ بين الكلمات وهو الأمر الذي لا يستفيد منه الصحافي الفريلانس الذي يعمل في تخصصات التحرير بالمغرب مثلا. ناهيك عن السعر المحترم لمقالاتهم وتقاريرهم الاعلامية.

أمام حالة الفراغ هاته، يمكننا استدعاء مجموعة من المداخل القانونية، التي أراها مهمة لتأطير صفة الصحافي الفريلانس وتنظيم العلاقات المهنية بينه وبين طالبي الخدمة.
- القانون الجنائي : وإن كان لا يهتم به الصحافي، فإنه يهتم به. حيث أن هذا الفرع من القوانين كثيرا ما يجد الصحافي نفسه أمامه، فقط لأنه قام بعمله الذي كان يعتقد أنه مهني. فإذا به يقف أمام القضاء بتهم السب والقذف. أو التشهير أو التحريض على أعمال من شأنها تهديد النظام العام.وحتى تهم جد خطيرة مثل التخابر مع جهات أجنبية. لهذا يجب على الصحافي الحر العامل بصيغة الفريلانس أن يكون حذرا في عمله إزاء هذا القانون المرعب الذي لا يتحدث إلا بلغة العقوبات السالبة للحرية والغرامات الثقيلة.
- القانون المدني : هو الذي ينظم جميع التعاقدات، بما فيها علاقات الشغل ومختلف الآثار القانونية التي تنتج على ذلك. فهو الذي ينظم علاقات الإيجاب والقبول في الاتفاقات والتعاقد وهو الذي يحيل على الصيغ الرضائية التي تعتمد لإنفاذ الالتزامات المتبادلة..وفي سياق مقارن أشير إلى أن صيغة عمل “صحافي فريلانس” بفرنسا يطلق عليه un journaliste pigiste ويشتغل الصحافيون بفرنسا بصيغة حرة بموجب عقد نموذجي يبقى هو الأصل في تنظيم العلاقات الإعلامية المهنية. إلا أن التجربة الفرنسية تشترط لزاما على الصحفي الفريلانس الانخراط في المهنة المرور لبوابة التكوين قصد تأهيله لممارسة هذه المهنة الشريفة النبيلة. كما تضمن له النقابة الفرنسية كل امتيازاته الاجتماعية بعد انصراف خمسة سنوات على ممارسته الفعلية لمهنة الصحافة بصيغة فريلانس.
- القانون التجاري : هذا القانون لاينظم فقط علاقات البيع والشراء وتبادل البضائع. إنه يقع في صلب عمل الصحافي الفريلانس. سيما أن نسبة مهمة متهم تتجه لتأسيس مقاولات قصد تطوير عملهم وهيكلته. والقانون التجاري هو الذي ينظم طرق تأسيس المقاولات الصغرى والمتوسطة. ومختلف الامتيازات لكل صنف من تلك المقاولات ،كالشركات المدنية..وشركات المساهمة..والشركات ذات المسؤولية المحدودة..إلخ
- القانون المالي : يتداخل نشاط الصحفي الفريلانس مع مقتضيات القانون المالي، بمناسبة أدائه للضرائب المستحقة عليه للدولة. من قبيل الضريبة على الدخل أو ضريبة الباتنت أو الضريبة على القيمة المضافة..إلخ.
وفي الختام، نخلص إلى أن الوضعية الاجتماعية للصحافي الفريلانس تصنفه ماديا وقانونيا على هامش الهامش، رغم ممارسته لمهنة من أنبل وأشرف المهن ألا وهي مهنة المتاعب الذي تنعت ب”صاحبة الجلالة” لرفعتها ودورها في تنوير الرأي العام وتمثلها للضمير الجمعي المجتمعي.