تظل إشكالية أخلاقيات مهنة الصحافة في المغرب مطروحة بقوة ، و بالمقابل ما انفكت أصوات المهنيين ومختلف فعاليات المجتمع المدني، و أوساط أخرى ، تلح على ضرورة احترامها والحد من الانتهاكات المتزايدة لأخلاقيات المهنة و ما ينتج عنها من أضرار.
تجليات مظاهر هذه الإشكالية معاشة في الممارسة اليومية ، و تعكسها تقارير الهيئات المعنية بحرية الصحافة و التعبير وحقوق الإنسان في بلادنا، ثارة بشكل قوي و ثارة بشكل محتشم . و يعبر عن هذه التجليات تزايد التظلمات و الشكايات و القضايا المعروضة على القضاء من طرف مؤسسات و أشخاص اعتبروا أنفسهم ضحايا بعض وسائل الإعلام و النشر لأنها مست كرامتهم أو نشرت أخبارا كاذبة عنهم.
قد لا تتسع هذه الأرضية لاستعراض مختلف أشكال الخروقات التي تمارس بشكل يومي و منهجي من قبل صنف من الصحافيين أو بعض وسائل الإعلام . لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن هذه “الأجناس ” من الانتهاكات تتجلى في الرشاوى التي تدفع من طرف هيئات أو شخصيات، إما بهدف تلميع صورتهم في الإعلام أو من أجل الاعتداء على خصومهم. و تتمثل أيضا في توظيف القذف والسب وتشويه صورة الناس في المادة الصحفية، و في نشر الشائعات و الأخبار الزائفة والإثارة و الميوعة، و في الترويج لخطابات العنف و الحقد و الكراهية، ثم الخلط ما بين ما هو مهني و ما هو تجاري إشهاري.
على مستوى آخر، لم تتوقف المطالب الرامية إلى تفعيل مبادئ و قيم أخلاقيات المهنة و احترام قواعدها. و في هذا المضمار ما فتئت المنظمات و الهيئات المدنية و السياسية و النقابية و الثقافية ،الجادة، تؤكد في تقاريرها و خطاباتها على ضرورة احترام أخلاقيات الصحافة .
في هذا السياق تجدر الإشارة إلى الجهود التي بذلت من أجل تأسيس الهيأة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير منذ 2002 . و رغم أن هذه التجربة تعثرت لأسبـــــاب ذاتيـــــة وموضوعية فقد ظلت هذه الأهداف حاضرة وسط مختلف مكوناتها و وسط الجسم الصحافي وباقي المكونات الديمقراطية في المجتمع المغربي .
اليوم ، وفي ظل دستور يوليوز 2011 ، الذي نص على أن الدولة تشجع التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة بكيفية مستقلة وديمقراطية ، انطلق العمل في أفق إحداث المجلس الوطني للصحافة ، و أعد مشروع قانون هو ضمن مدونة القوانين الأخرى الخاصة بالصحافة و النشر. إن مشروع إحداث المجلس الوطني للصحافة ، الذي قيل بأنه سيعزز احترام أخلاقيات المهنة والارتقاء بالمهنة والدفاع عن حرية الصحافة و الحق في الوصول إلى المعلومة، لم ير القانون الخاص به النور، و لم يعرف كذلك مصير باقي نتائج اللجنة العلمية التي كلفت رسميا بمراجعة قوانين الصحافة والنشر، و منها إعداد مشروع المجلس الوطني للصحافة. و معلوم إن هذه اللجنة العلمية انتهت من أشغالها منذ أبريل 2013 .
و لفهم ما تمثله أخلاقيات مهنة الصحافة والتداعيات التي تترتب عن تجاهلها و خرقها،نطرح التساؤلات التالية :
ـ ألا تعتبر انتهاكات أخلاقيات مهنة الصحافة تهديدا صريحا لحرية الصحافة والإعلام؟
ـ أين تكمن مسؤولية الصحافة تجاه المجتمع الذي تخدمه؟ وهل تحترم وسائل الإعلام مبادئ حقوق الإنسان بخصوص حرية وكرامة الأفراد وخصوصيتهم؟.
ـ هل فرض احترام قيم أخلاقيات مهنة الصحافة هي فقط من مسؤولية أهل المهنة؟أم مسؤولية مشتركة بينهم و بين فعاليات المجتمع المدني؟.
ـ لماذا يتهرب البعض من ربط الحرية والبحث عن الحقيقة بضرورة التحلي بالمسؤولية إزاء المجتمع واحترام كرامة الأشخاص وحياتهم الخاصة؟ .
ـ أي دور مرتقب للمجلس الوطني للصحافة، و أي تصور لتشكيلته و لاختصاصته؟
ـ هل يعتبر هذا المجلس الوطني هو الآلية الأفضل لتكريس أخلاقيات المهنة وتنظيمها؟
ـ هل سيكون بديلا عن القضاء؟